[26/09/2025 09:13]

لحج - سبأنت - عيدروس زكي السقاف

26 سبتمبر 1962، ليس تاريخاً يُتلَى فقط، ولا مناسبةً تُحيَى وحسب، بل ولادةٌ ثانية لليمن، يوم انفلق فجر صُبْحِه من رحم الظلام، وانكسرت قيود القرون الثقيلة، تحت صيحات الرجال الأحرار، سبتمبر هو اللَّحظة التي التحم فيها الشعب مع قدره، فانتزع حريته بدماء الشهداء، وشيَّد جمهوريتَه لبنةً لبنة، ليجعل من الأرض، التي عانت العزلة طويلاً جسراً مفتوحاً على آفاق المجد، والكرامة، والسيادة.

إنها ثورةٌ لم تقتصر على تغيير نظام حكم فقط، بل غيَّرت وجه التاريخ نفسه، فحوَّلت اليمن من واحةٍ منسية، إلى وطنٍ يصوغ مستقبله بأيدي أبنائه، ويؤمن أن الجمهورية ليست خياراً سياسياً فحسب، بل حياة متجدِّدة، وميثاق أُمَّة، ورسالة تتوارثها الأجيال.

وبهذه المناسبة الوطنية الغالية، أجرت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، أحاديث صحفية، مع عدد من القيادات التنفيذية بمحافظة لحج، الذين استعادوا بذاكرة حيَّة مسيرة الثورة، واستعرضوا منجزاتها، خلال 63 عاماً من عمرها، وتضحيات أبطالها، وما تعنيه اليوم، في وجه التَّحدِّيات الرَّاهنة.

اليمن.. من حكم الفرد إلى شراكة الأُمَّة

يؤكد وكيل محافظة لحج، العميد عبد الفتَّاح هيثم الحجَيلي، في حديث لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، بمناسبة العيد الوطني الـ ٦٣ لثورة الـ ٢٦ من سبتمبر، إن ثورة 26 سبتمبر 1962م، لم تخلِّص اليمن من الاستبداد فقط، بل منحت المواطن مكانة وحقوقاً، لم يعرفها من قبل، فلأول مرَّة صار للشعب ممثلون في برلمان منتخب، ومجالس محلية تعكس إرادته، بيدا أن النظام الجمهوري جعل السلطة مسؤولية جماعية لا امتيازاً فردياً، واليوم، رغم كل محاولات العودة إلى الماضي، بواسطة المشروع الحوثي السلالي، يتمسك اليمنيون بجمهوريتهم، لكونها أعظم مكتسب وطني لهم".

وقال الحجيلي "هذه التَّحوُّلات السياسية لم تكن سهلة، لكنها رسَّخت قيم الحرية، وفتحت المجال أمام التَّعدُّديَّة، وهي ما تحاول ميليشيات الحوثي الانقلابية الإرهابية، اليوم، أن تجهضها، غير أن الأُمَّة اليمنية متمسِّكة بجمهوريتها، لأنها الحق الذي لا يمكن التراجع البتَّة عنه".

ويلفت إلى أنه في قلب هذا الوطن، الذي تعرَّض لتجاربٍ قاسية، تبقى إرادة الشعب اليمني هي النُّور الذي لا ينطفئ، الشعب الذي صنع التاريخ ببطولاته وصبره قادر، بأصالته وتماسكه، أن يتجاوز محن التدخّل الخارجي الإيراني، وأداته الداخلية الحوثية، وأن يعيد لليمن مكانته بين أمم المنطقة، إذ أن القوَّة لا تنبع من السلاح وحده، بل من ثقافةٍ سياسية واعية، ومن جهاد فكريّ مؤسسي يفضي إلى تقوية الدولة، وصون الحقوق، واستعادة كرامة المواطن ومكانة الوطن.

وقال الوكيل الحُجَيلي، في ختام حديثه "حين يعود الحوار الوطني إلى حيِّزه الطبيعي، وحين تتعافى المؤسسات أكثر، وتعمل الشَّفافية كأساس للحكم، سيعود لليمن وجهه المشرق الذي عرفناه عبر التاريخ، جمهوريةٌ تحترم القانون، وديمقراطيةٌ تمنح النَّاس حق القرار والكرامة، وليست ذلك حلماً مستحيلاً، بل مَطْلَبٌ منطقِي يترسَّخ بمثابرة المثقَّفين، وإرادة المواطنين، وسياساتٍ تبني مؤسساتٍ عادلة، وهذه العودة ليست استعادة لماضٍ فحسب، بل تأسيس لمستقبلٍ يليقُ بتاريخ اليمن ويمنحه فرصة النمو والازدهار".

تضحيات الشهداء والمناضلين صنعت فجر اليمن الجديد

اليوم، ورغم ما يحاك من مؤامرات، ورغم المحاولات البائسة لإحياء ماضٍ مظلم بثوبٍ حوثيٍّ مقيت، فإن اليمنيين يقفون كما وقف آباؤهم الأبطال، حراساً للجمهورية، أوفياء لدماء الشهداء، مؤمنين أن الحرية قدرٌ أبدي لا يقبل النكوص، وفي هذه المناسبة الوطنية البهيَّة.

ويقول مدير عام فرع الهيئة العامة لرعاية أُسَر الشهداء ومناضلي الثورة اليمنية بمحافظة لحج، محمَّد أحمد هوَّاش، في حديثه لوكالة الأنباء اليمنية(سبأ) "إن ثورة 26 سبتمبر 1962 م، لم تكن حدثاً عابراً في التاريخ، بل كانت ملحمة كُتِبَت بدماء الشهداء وصمود المناضلين، أولئك الذين آمنوا أن لا مستقبل لليمن إلا بالحرية، والكرامة، والسيادة الوطنية".

ويستعرض هوَّاش، كيف شكَّلت تضحيات الشهداء والمناضلين، اللَّبِنَة الصُّلبة التي قامت عليها الجمهورية..مشيراً إلى أن دماءهم الطاهرة لم تكن مجرَّد وقود للثورة في أيامها الأولى، بل كانت البذور التي أثمرت جيلاً يؤمن بأن التضحية هي الطريق الأقصر نحو النصر، والشهداء والمناضلين جسَّدوا في مسيرة الثورة روح اليمن العميق، إذ تخلَّوا عن حياة الرَّاحة والطمأنينة، واختاروا درب الصراع الشَّاق ضد الاستبداد والرجعية، ولقد حملوا على عاتقهم حلم الشعب بأسره، وساروا بخطوات ثابتة في طرق وعرة، ليكتبوا بعرقهم ودمائهم واحدة من أنقى صفحات التاريخ اليمني الحديث.

ويضيف "إننا، اليوم، في هيئة رعاية الشهداء والمناضلين، ونحن نقوم بواجبنا تجاه أُسَر أولئك الأبطال، لا ننظر إلى الماضي كتاريخ منقضي، بل كأمانة متجدِّدة، ورسالة أخلاقية ووطنية، علينا جميعاً صونها ونقلها، إلى الأجيال، فكل بيت يمني ما زال يحتفظ بذكرى شهيد أو مناضل، وكل حي في مدننا وقُرانا ينبض بروح 26 سبتمبر 1962 م، والحديث لا يقف عن الشهداء والمناضلين، عند حدود تمجيد الماضي فحسب، بل يمتد ليضيء الحاضر والمستقبل، والثورة لم تكن يوماً نهاية المطاف، بل بداية طريق طويل من التضحيات المتواصلة".

واختتم هوَّاش، حديثه، قائلاً: "تجلَّت مأساة الوطن في استهداف الشهداء والمناضلين، الذين ضحُّوا بأرواحهم دفاعاً عن الحرية والكرامة، وصارت تضحياتهم محفورة في الذاكرة الجمعية، لكنها، في الوقت نفسه، تواجه صعوبة في التوثيق والحفظ، مع ضعف الدعم لأُسَرهم، وغياب برامج تكريم فعَّالة تعكس حجم التضحيات التي بذلوها".

التعليم.. ثورة على الجهل وبوابة النهضة

يؤكد مدير عام مكتب وزارة التربية والتعليم بمحافظة لحج، فهمي بجَّاش، لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، أنه قبل ثورة 26 سبتمبر، كان الجهل سيِّد الموقف، والثورة كسرت هذا القيد، وفُتِحَت المدارس، والمعاهد، والجامعات في كل أرجاء اليمن، وارتفعت نسبة المتعلمين بشكل هائل، وصار لدينا آلاف الأطباء، والمهندسين، والمعلمين، وكانت معركة التعليم هي الوجه الآخر لمعركة الحرية.

وأضاف "ما زال الدفاع عن التعليم في مواجهة محاولات الحوثي لتجهيله وتطييفه، امتداداً لرسالة سبتمبر نفسها، فلقد أصابت حرب الحوثي، في مناطق سيطرته، قطاع التعليم، في صميمه، وفي جوهر العملية التعليمية ذاتها، إذ تم استبدال المناهج الرسمية المعتادة بمناهج جديدة تحمل النكهة الطائفية المبرمجة، لغرس الانقسام، وإضعاف الهوية الوطنية الجامعة، وعانى المعلمون من انعدام الرواتب، وانتشار الخوف، بينما وجد الطلاب أنفسهم ضائعين بين دروس مشوَّهة ومحيط متفكِّك، لتتضرَّر بذلك جودة التعليم، وآمال الأجيال القادمة، في المعرفة والحرية الفكرية".

ثورة 26 سبتمبر أسَّست نظام صحي متكامل

يشير مستشار محافظة لحج، الدكتور عمر السَّقَّاف، إلى أن المنجز الصحي الذي تحقَّق خلال العقود الماضية لا يمكن قراءته بمعزل عن جذور ثورة 26 سبتمبر 1962 م، إذ أن الثورة الأساس لبنية صحية لم يعرفها اليمنيون من قبل.

ويقول السَّقَّاف "قبل ثورة 26 سبتمبر، كان اليمنيون يعيشون في عزلة قاسية، بلا مستشفيات حقيقية، ولا مراكز صحية مؤهَّلة، وكانت الأوبئة تحصد الأرواح في صمت، لكن الثورة شقَّت الطريق لتأسيس نظام صحي متكامل، من أول مستشفى جمهوري في العاصمة صنعاء، إلى المراكز الصحية في القرى النائية بمحافظات الجمهورية".

ويتابع "لقد غدت وزارة الصحة العامة والسكان، منذ سنوات الثورة ذراعاً أساسياً في بناء الإنسان، إذ توسَّعت الشبكة الصحية لتغطي معظم المحافظات، وانتشرت حملات التحصين الوطنية، وأُنشِئَت معاهد وكليات الطب والتمريض، وبدأ اليمني يتنفَّس حقه في العلاج كبقية شعوب العالم".

ولفت إلى أن منجزات الثورة في القطاع الصحي السكاني، لم تقتصر على البنية التحتية فقط، بل طالت وعي المجتمع وسلوكه أيضاً، فالمواطن الذي كان يستسلم للأوبئة أصبح يعرف أهمية اللقاحات والوقاية والنظافة المستمرة، ومع تزايد عدد السكان بعد الاستقرار النسبي، أخذت الدولة على عاتقها مواجهة التَّحدِّيات السكانية، فأنشئت إدارات للتخطيط السكاني، والبرامج التوعوية لضمان التوازن بين التنمية، ومعدلات النمو السكاني..منوِّهاً بأن قطاع الصحة العامة والسكان، بعد ثورة 26 سبتمبر، يمثِّل انعتاق الإنسان من المرض، بقدر ما هو انعتاق من الجهل والفقر، ولقد حرَّرت الثورة الجسد اليمني كما حرَّرت روحه، ووضعت الإنسان في قلب مشروعها النهضوي، ليصبح حاضراً بقوَّة في معادلة البناء والتنمية.

وأكد، في ختام حديثه، أن حرب ميليشيا الحوثيالإرهابية، دمَّرت المستشفيات والمراكز الطبية، وندر وجود الأدوية والعقاقير، والمستلزمات الصحية الأساسية، وتفشَّت الأمراض والأوبئة، في مناطق سيطرتها، بينما يواجه المرضى صعوبة بالغة في الوصول إلى الخدمات الطبية الضرورية، نتيجة قطع الميليشيا للطرق المؤدية إلى المستشفيات والمراكز الطبية، وبذلك انهارت منظومة الرعاية الصحية، التي كانت تحمي حياة اليمنيين وتخفِّف معاناتهم.

الاستثمار والصناعة.. قفزة من العزلة إلى فضاءات التنمية

يقول مدير عام فرع الهيئة العامة للاستثمار بمحافظة لحج، علاء إبراهيم علي، لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) "لم تكن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 م، حدثاً سياسياً فحسب، بل كانت بوابة كبرى لانبعاث الحياة الاقتصادية والصناعية من جديد في اليمن، فقبل الثورة، كانت البلاد ترزح تحت قيود العزلة والتقليدية، فلا مصانع تُنشَأ، ولا استثمارات تُذكَر، ولا قوانين واضحة تجذب رأس المال أو تحمي المستثمر، كانت الصناعة مجرَّد حرف يدوية متفرِّقة، والاستثمار غائب في غياهب العزلة المفروضة، آنذاك".

ويضيف "عقب فجر 26 سبتمبر المجيد، تبدَّل المشهد، إذ انفتحت البلاد على العالم، وسُنَّت القوانين الأولى لتنظيم الاستثمار، وتشكَّلت المؤسسات الاقتصادية، التي أرست اللَّبِنات الأولى للصناعة الوطنية، ولم يكن أمامها الطريق سهلاً، لكن الإرادة الثورية جعلت من المستحيل ممكناً".

واوضح أن ثورة سبتمبر، قدَّمت أعظم هدية للاقتصاد اليمني، وهي فتح الأبواب للاستثمار المنظَّم، وتشجيع الصناعة الوطنية، والعقود الأولى التي تلت الثورة شهدت انطلاق مشاريع صناعية وتجارية مثل مصانع النسيج والغذاء والإسمنت، لتكون بمثابة الدعائم الأساسية الأولى لاقتصاد حديث.

ويتابع علاء قائلاً: "لو عدنا بالذاكرة إلى ما قبل 1962 م، سنجد أن مفردة الاستثمار لم تكن موجودة في القاموس الاقتصادي اليمني، اليوم، بفضل الإرث السبتمبري، نتحدَّث عن مناطق صناعية، وقوانين لحماية المستثمرين، وبيئة استثمارية تجذب رؤوس الأموال المحلية والخارجية، رغم ما مرَّت به البلاد من أزمات".

واشار الى ان إنجازات الاستثمار والصناعة، بعد الثورة لم تكن مجرَّد مصانع ومشاريع فقط، بل كانت ثورة ثانية على الجمود الاقتصادي، وركيزة أساسية لنمو المدن اليمنية وتوسُّعها، وظهور طبقة جديدة من رجال الأعمال والمستثمرين المحليين، الذين ساهموا في رفد الاقتصاد الوطني وتشغيل الأيادي العاملة، وتحريك عجلة التنمية في جميع محافظات الجمهورية، وثورة سبتمبر، صنعت تحوُّلاً اقتصادياً عميقاً، فهي التي أرست قاعدة الصناعة الوطنية، وهي التي مهَّدت لبناء بنية تحتية تستوعب الاستثمارات، وهي التي منحت اليمنيين حق الحلم بمستقبل اقتصادي واعد، والثورة كما حرَّرت الوطن سياسياً، فإنها أيضاً حرَّرته اقتصادياً من قيود العزلة والانغلاق، فاتحة الطريق نحو يمن منتج ومستثمر في موارده وقدراته".

ويختتم علاء، حديثه بالقول "لكن الاستثمار في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي الانقلابية، في اليمن، أصبح رهينة الخطر والحرب، وتوقُّف كثير من المشاريع الصناعية الكبرى، فهرب المستثمرون، وتراجع الإنتاج الوطني، وارتفعت معدَّلات البطالة، فيما فقد الاقتصاد قوَّته وحيويته، وبات البلد، اليوم، عاجزاً عن استغلاله لموارده الطبيعية، واستثماره لقدراته البشرية".

---